فراولة - فراولة - سحبة فراولة - سحبات فراولة - نكهة فراولة

وأما رسول حلب فإنّه لم يفعل معه أمر الّا انّه طولب بخراج ما مضى من السنين. فلما انحدر عضد الدولة لم يأمن على نفسه فاستتر حتى توسط أبو محمد ابن معروف أمره وأخذ له الأمان من عز الدولة وابن بقيّة وظهر، فتركه مديدة ثم قبض عليه بإغراء من ابن السراج لهما به، وما زال مقبوضا عليه حتى فسد أمر ابن السراج. إنّ الرجل - يعنى الوزير أبا القاسم علي بن أحمد - وقف أمره وعاد إلى البطيحة فبادرت في الحال إلى الإصعاد علما بأنّ الكتب سترد بالعود إليّ. وفيها أخرج أبو القاسم سعد الحاجب وقراتكين مددا لمؤيد الدولة عند ورود فخر الدولة وقابوس وعساكر خراسان. « ان القوم قد غدروا ونكثوا العهد ورفضوا الودّ ولم يبق بعد إيواء فخر الدولة وقابوس هوادة. وان اخترتم بيعنا بمقامهما عندكم، فإنّنا نسمح لكم بهذين المقبلين المباركين ومال الصلح الذي تأخذونه منّا مستأنفا، فإنه سيذهب لكم عليهما وأكثر، فليس يحسن بكم أن تعطوهما أكثر من ذلك، فان أحسنتم إليهما خسرتموهما والمال جميعا ولم تحصلوا منهما على طائل، وان لم تحسنوا إليهما فارقاكم عن قلى وعادا إلينا بلا منة لكم علينا في بابهما وتكون مفارقتهما لكم على ما يليق بهما إلى حيث يرمى بهما جدّهما الغار اليه.

« اما العفو عنه فقد شفّعناك فيه وعفونا له عن ذنب لم نعف عما دونه لاهلنا - يعنى الديلم - ولا لأولاد نبينا ﷺ - يعنى أبا الحسن محمد بن عمر وأبا أحمد الموسويّ - ولكنا وهبنا إساءته لخدمته وعلينا المحافظة فيه على الحفيظة منه وأما استخلافك له بحضرتنا فكيف يجوز أن ننقله من السخط عليه والنكبة له إلى النظر في الوزارة؟ » إلّا نفر من أصدقائه استأذنه فيهم، واستمر السخط عليه إلى حين وفاة عضد الدولة. ثم ركب الأمير أبو نصر بعد خمسة أيّام إلى حضرة الطائع لله، فخلع عليه الخلع السلطانية ولقّبه بهاء الدولة وضياء الملّة، وقرئ عهده بين يديه بالتقليد وقدّم إليه فرس بمركب ذهب وقيّد بين يديه آخر بمثل مركبه وسار العسكر حواليه إلى باب الشماسية في القباب المنصوبة ونزل إلى الطيّار وانحدر إلى دار المملكة. وأخرج أبو الحسن نحرير وأبو بكر البازيار إلى بغداد للاحتياط على ما في دار المملكة والخزائن والإصطبلات. » فقال: شيشة الفاخر « عند أبي بكر ابن شاهويه. فأخرج أبو بكر محمد ابن الطيب الأشعري المعروف بابن الباقلاني بجواب الرسالة فعاد ومعه رسول يعرف بابن قونس فأعيد وأنفذ معه أبو اسحق بن شهرام فاستثنى على ملك الروم بعدّة حصون ووصل معه رسول يعرف بنقفور الكانكلى بهدية جميلة. وفيها خرج أبو الفوارس ابن عضد الدولة من بغداد الى كرمان للمقام بها والولاية عليها والإبعاد عن الحضرة، وقد كانت علّة عضد الدولة قويت واستحكمت.

ففعل أبو سعد ذلك وتنجز له جواب كتابه وفيه توقيع عضد الدولة بالتوثقة والأمان، ودخل عضد الدولة بغداد فأجراه على رسمه. ولو قال: « ويبقى الحديث والاخبار » لكان أقرب إلى الصواب فإنّ الديار تدرس والآثار تذهب والحديث يبقى والاخبار تروى على أنّ عضد الدولة أبقى عليه في اعتقاله وعاود الحسنى في إطلاقه وبدأ باستئناف الجميل معه. قد تقدّم ذكر اجتماع فخر الدولة وقابوس بنيسابور، ولمّا حصلا بها أقام قابوس ومضى فخر الدولة إلى صاحب خراسان فاستجار به وسأله المعونة وأقام عنده إلى أن جرد معه ناس وجماعة من أكابر القوّاد وسارت الجماعة حتى نزلت على باب جرجان ومؤيد الدولة بها. ووجدنا آخره موافقا لآخر كتاب تجارب الأمم حتى إنّ بعض الألفاظ تتشابه في خاتمتها وانتهى القولان في التاريخ بهما إلى أمد واحد والكتاب موجود يغنى تأمّله عن الإخبار عنه. ولنا في أمره تدبير وبالعاجل فاحمل اليه من عندك ثيابا ونفقة وأطلق ولديه وتقدم اليه بعمل كتاب في مفاخرنا. فلو أنّ عضد الدولة أمره بمثل ما كان عزّ الدولة أمره به هل كان يقدر على خلافه مع كونه في قبضة سلطانه؟ كان سبب هذه الرسالة ما تقدم ذكره من دخول ورد إلى بلد الإسلام فخاف ملك الروم وأنفذ رسولا إلى عضد الدولة في أمره. وان سألتم أن نؤمنهما ليعودا إلى جملنا هدرنا ما تقدم من الموافقة واستقبال الوقت الذي يقع فيه الصلح، فنحن نفعل ذلك كرامة لذلك الكبير ولكن على أن يردوا حضرتنا ويكون ما نفعله معهم تبرّعا منّا ومؤكّلا إلى رأينا من غير اشتراط فذلك خير لهما.

أوليت اهتماماً بالغاً بالتعلم، وقبل أن أبلغ السادسة عشرة من عمري اشتهرت بأدبي إذ كنت أكتب بخط جميل وأحفظ عن ظهر قلب شعر سعدي وحافظ والفردوسي، وأبرع في كتابة الشعر إلى درجة أنني في شبابي كنت لا أتكلم إلا شعراً، وتطرقت لمواضيع الشعر كافة. لا إله إلا الله! فان استقر الصلح بنيسابور فليخرج إلى بخارا لعقد الوثيقة وإحكام الأمر على حسب ما رسمناه وبمحضر من القضاة والشهود ووجوه الحاشية والقواد والغزاة وأماثل البلدان، وإن أحبّ أن يتمّ ما خرج له القضاة الثلاثة من حضرتنا استخار الله فيه وتمّمه، وإذا عاد إلى نيسابور أحكم عقد الصلح فيها بشهادات الأماثل، وإن رأى الصواب في أن يشهد على أبي العباس في نسخة العهد الذي يتولى تجديده ببخارا أو يأخذ خطه فيها فعل. ولكن علي أن أحذرك من أمر: لو حدث أن أحدهم أعجب بشيء رآه عندك فإياك أن تقول لهم، كما عهدنا بين بعضنا، «مقدَّمة هدية لك، على حسابك»، لأنهم يأخذون هذه الكلمة بمعناها الحرفي فيقبلون الهدية وهي ليست كذلك ويضعونها في جيبهم، وما أكثر الجيوب في معاطفهم وسراويلهم! رفاقنا الآخرون أخذوهم إلى مناطق أبعد ووزعوهم بين قبائل التركمان الأخرى التي تقطن في هذه البلاد. ووقعت الحرب بين الفريقين أياما كانت بينهم سجالا، ثم وقع الخلف بين عساكر خراسان وانصرفوا، ورجع فخر الدولة وقابوس إلى نيسابور مفلولين.